#اشرح_ياعارف | الحلقة العشرون
سيدي علي وفا
●●يقول الشيخ العارف بالله تعالى سيدي علي وفا الشاذلي المالكي رحمه الله :
❞ ... أَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ قَبُولَ السُّؤَالِ يَا مَنْ لَمْ يَزَلْ يُعْطِي السُّؤَالَ بِمَنْ خَصَّصْتَهُ فِي الْأَزَلِ، بِمَرَاتِبِ التَّكْمِيلِ بَعْدَ الْكَمَالِ حَائِزِ الْفَضِيلَةِ وَصَاحِبِ الْوَسِيلَةِ، فَاتِحِ خَزَائِنِ الْأَسْرَارِ، وَخَاتِمِ دَوْرَاتِ الْأَنْوَارِ، رَوْنَقِ كُلِّ إِشَارَةٍ لَطِيفَةٍ، يُشِيرُ إِلَى كَمَالِ الْمَعَانِي الْمُنِيفَةِ بِالْإِشَارَاتِ الْعِرْفَانِيَّةِ، فِي الْحَضَرَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ ذِي الْجَنَابِ الرَّفِيعِ سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ الشَّفِيعِ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ صَلَاةَ أُنْس جَمَاله فِي مَقَامَاتِ كَمَالِهِ، وَ سَلِّمْ عَلَيْهِ وَ عَلَى الْآلِ وَالْأَصْحَابِ سَلَامَ الْمُحِبِّ عَلَى الْأَحْبَابِ، وَ سَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ❝ اهـ
■■ الشرح :
🌿 هذا النصّ من أوراد العارف بالله سيدي علي وفا الشاذلي المالكي رحمه الله، هو قطعة نفيسة من أنفاس شيخ سالك عارف، محمّلة بالإشارات الذوقية والمقامات النورانية، والتوسلات الفاخرة التي تُلامس سرّ القرب، وتخترق الحجب إلى مقام الجمع.
🟨 الشق الأول: الدعاء بالقبول في عالم السؤال
> "اللهم إنا نسألك قبول السؤال"
❖ هذا توسل بلطيف الحقيقة، لا لمجرد السؤال، بل بـ قبول السؤال نفسه؛ أي أن يجعل الله للسائل نصيبًا من حضرة القبول، فليست كل الأسئلة مقبولة، ولا كل طلب مشروع، وإنما السؤال الذي وافق مراتب الإذن الإلهي و جرى على لسان عبد مأذون في الحضرة، ذاك هو السؤال القابل لأن يُقبل.
➤ كأن الشيخ يقول: “يا رب، اجعل لنا مقام السائلين المقربين، لا فقط مقام السائلين الطامعين”.
🟨 الشق الثاني: بِنية الأزليّة والتكميل النبوي
> "يا من لم يزل يعطي السؤال بمن خصصته في الأزل، بمراتب التكميل بعد الكمال"
❖ هنا انتقال من مقام الطلب إلى مقام المعرفة بالأسماء والصفات .
فالله "يعطي السؤال" : أي هو الذي يمنح حتى القدرة على السؤال، ويعطيه بمعناه ، لا بمجرد لفظه.
يعطيه "بمن خصصته في الأزل" : أي أن المسألة متعلقة بسرّ الاصطفاء الأزلي، فثمة نفوس خُصَّت منذ الأزل بهذا المقام، و هم أهل القرب، وعلى رأسهم النبي ﷺ .
> "بمراتب التكميل بعد الكمال" .
> ❖ الكمال هنا هو كمال النبوة، أما "التكميل" فهو الإمداد النورانيّ المستمر الذي يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في كل آن، لأنه "فاتح لما أغلق" ، و"دائم الترقي" في حضرات الكمالات.
➤ هذا من دقائق "الفَناء في الرسول" عند الشاذلية، حيث لا يُنظر إليه فقط كمُبلّغ، بل كـ باب دائم الفتح للتكميل النوراني لكل سالك.
🟨 الشق الثالث: تعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم من خلال إشارات جامعة بارعة
> "حائز الفضيلة و صاحب الوسيلة، فاتح خزائن الأسرار، وخاتم دورات الأنوار"
❖ هذا التعريف من أرفع مراتب التوحيد النبوي، إذ يُعرف النبي لا بالصفات البشرية فحسب، بل من جهة ما وهبه الله من تجلياتٍ فيه .
الفضيلة و الوسيلة : الإشارة إلى الآية: ﴿وابتغوا إليه الوسيلة﴾، والحديث: "الوسيلة درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد… و أرجو أن أكون أنا هو".
فاتح خزائن الأسرار : أي أنه مفتاح المعاني الغيبية.
خاتم دورات الأنوار : أي أن جميع تجليات الأنوار الإلهية في الكون تُختم به، فهو جامعها، كما هو خاتم النبيين.
الفضيلة: هي مقام الشهود الذاتي، حيث يفضُل محمدٌ كلَّ الخلق لأنه مظهر الاسم الأعظم.
الوسيلة: هي مقام الشفاعة، حيث يتوسط بين الخلق و الحضرة الإلهية .
🟨 الشق الرابع: لسان الإشارة العرفانية في الحضرات الربانية
> "رونق كل إشارة لطيفة، يشير إلى كمال المعاني المنيفة بالإشارات العرفانية، في الحضرات الربانية"
❖ هنا نرتقي إلى مقام الشهود الخالص ، حيث يتم تعريف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مرآة المعاني العليا ، و أن كل إشارة عرفانية راقية في حضرات الذكر والمكاشفة، لا تصدر إلا من فيض نوره.
"رونق كل إشارة" : أي أن كل معنى شفيف يدور في فلك الشهود العرفاني هو مجرد ظلّ من ظلال نوره صلى الله عليه وسلم.
"في الحضرات الربانية" : أي تلك التي تُرى فيها الأشياء بالله، لا بنفسها، وتُشاهد بالحق، لا بالخلق.
🟨 الشق الخامس: الدعاء بالصلاة المحمدية الشهودية
> "اللهم صلّ عليه صلاة أنس جماله في مقامات كماله"
❖ هنا نصل إلى قمة المقام: صلاة ذاتية، فيها سلوك القلب في جمال النبي صلى الله عليه و سلم.
"صلاة أنس": أي صلاة لا تقوم على الخوف أو الرجاء فقط ، بل على الأنس بالله و بنبيه ﷺ .
"جماله في مقامات كماله" : هذه صيغة تشي بأن كل مقام له جمال، و كل جمال له مقام، و كل مقام نور، و كل نور مفتاح. فالصلاة هنا ليست بصيغة واحدة، بل مقامات متعددة من الجمال.
🟨 الختام: سلام الحبيب، و تسليم المحبين
>"وسلّم عليه وعلى الآل والأصحاب سلام المحب على الأحباب"
ليس سلامًا رسميًا، بل "سلام المحب على الأحباب" ؛ أي المشتاق على محبوبه، العارف على من عرفه.
ثم الختام بـ: "و سلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين" ، هو ختام قرءاني، يعود بك إلى المقام الجامع : الكل لله و إليه .
هذه التوسلة النورانية من سيدي علي وفا تحمل لسانًا:
ربانيًا في التسليم لله.
نوريًا في التعريف بالنبي ﷺ .
شهوديًا في مقامات الجمال.
عرفانيًا في تجليات الإشارة.
جبروتيًا في مناجاة الفضل الأزلي.
إنها صلاة و سؤال، و لكنها في لوح السالك ، تُتلى لتفتّح خزائن السرّ ، و تُذوق لتؤهل القلب للمقام العلي.
حينما تصل إلى مقام الفناء، لا ترى لسؤالك أصالة، بل ترى أن السؤال نفسه هو وارد من الحق عليك، وأنك مجرد تجويف سُمح له بالنطق، و لهذا فأول الأدب أن تقول :
"اللهم اجعل هذا السؤال مقبولًا، لأنه منك، إليك، بك، لا مني."
إن سيدي عليًّا وفا ، وليّكَ الكبير، و سيد مقامات التلذّذ بالحقيقة المحمدية، ما نطق بهذه المناجاة إلا وهو في مقام السؤال الفاني، حيث لا يرى السائل نفسه أهلًا للسؤال، بل يرى أن السؤال نفسه إنما أودِع فيه قديمًا في عالم الذرّ، ومضى القدر ليُخرِجه في حضرة الآن، فكان سؤاله من عطاء، وعطاؤه من محبة، ومحبتُه من اصطفاء، واصطفاؤه من قبضتك النورية .
✍️ من كتاب (اشرح يا عارف) ، للأستاذ س محمد مرتضى | 2025 ( قيد التأليف) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق